منذ العقود الأولى من القرن الماضي، اتسع دور العلاج الطبيعي في تقديم الرعاية الطبية بشكل مطرد مع تطور الخدمات والتقنيات الطبية، إذ أصبح العلاج الطبيعي جزءا أساسيا ورئيسيا من خطة العلاج المتكاملة التي يضعها فريق الرعاية الصحية الذي غالبا ما يضم بين أعضائه أختصاصيا في العلاج الطبيعي.
هذا الدور المتسع للعلاج الطبيعي أوجد نوعا من الاختصاص في الحالات المرضية التي تخضع للعلاج الطبيعي بشكل مباشر، كالاختصاص في حالات أمراض الأعصاب والعظام والأطفال والشيخوخة والنسائية والتوليد والقلب والرئتين وحتى أمراض السمنة والسكري. أما ما لا يعلمه الكثيرون هو أن هناك رعاية طبية متخصصة يقدمها العلاج الطبيعي لمرضى السرطان والتي تهدف هذه المقالة إلى التعريف ببعض الأدوار الرئيسية التي يلعبها العلاج الطبيعي في رعاية هؤلاء المرضى.
* العلاج الطبيعي لمرضى السرطان: البدايات الأولى:-
طرح مفهوم العلاج الطبيعي لمرضى السرطان في منتصف الستينات من القرن العشرين في مؤتمر ضم العديد من الاختصاصات الطبية تم عقده في المركز الطبي لجامعة نيويورك في الولايات المتحدة، وفي العام 1967 قدمت أطروحة في مركز هيوستن للأورام لإنشاء قسم للطب التأهيلي في المركز، ومنذ ذلك الحين توالت المؤتمرات والأبحاث التي تخصصت في دراسة وبحث مجالات التأهيل لمرضى السرطان، واليوم لا يكاد يخلو مركز طبي متخصص في علاج الأورام من قسم للعلاج الطبيعي والتأهيل. ويوجد في مركز الحسين للسرطان ومنذ العام 1998 قسم للعلاج الطبيعي والوظيفي يقدم خدماته لمرضى السرطان ويزداد دوره يوما بعد يوم مع ازدياد الوعي بأهمية إعادة التأهيل الطبي لهؤلاء المرضى أثناء وبعد العلاج.
* ماذا يمكن للعلاج الطبيعي أن يفعل لمرضى السرطان ؟
لا يختلف أعضاء فريق التأهيل الطبي لمريض السرطان كثيرا عن أعضاء فريق تأهيل مخصص لحالة أخرى، ففريق تأهيل مريض السرطان غالبا ما يتكون من: طبيب، اختصاصي العلاج الطبيعي، أختصاصي العلاج الوظيفي، ممرض، صيدلاني، الاختصاصي النفسي، الاختصاصي الاجتماعي، واختصاصي تقويم السمع والنطق. وهم يعملون جميعا بشكل متكامل ضمن خطة مشتركة تهدف لإعادة تأهيل المريض ومساعدته لممارسة حياته بشكل عادي كما كانت في السابق أو أقرب ما تكون لذلك.
إن الأهداف الرئيسية التي يسعى أختصاصي العلاج الطبيعي لتحقيقها مع مريض السرطان تكون غالبا موجهة نحو تحسين القدرات الوظيفية والاستقلالية الحركية التي لربما تأثرت إما بالمرض نفسه أو جاءت كمخلفات ثانوية للعلاجات الجراحية أو الكيماوية أو الإشعاعية التي يخضع لها مريض السرطان. ولا يتوقف الدور هنا، بل إن العديد من الحالات تخضع لبرنامج في العلاج الطبيعي يسبق خضوعها لتلك العلاجات المختلفة تهدف إلى المحافظة على أكبر قدر من اللياقة والقوة البدنية التي تسمح باستعداد أكبر لمراحل العلاج المختلفة وتوفر على المريض وقته وجهده، بالخضوع لبرنامج تأهيلي أقصر وأكفأ.
أما أثناء مرحلة العلاج من السرطان، فيلعب العلاج الطبيعي دورا كبيرا في المحافظة على النشاط الوظيفي والحركي وإعادته إن تأثر من خلال التمارين المختلفة، ومعالجة استسقاء الأطراف والسيطرة على بعض الآلام من خلال تقنيات الحرارة، أو البرودة، أو الأجهزة الكهربائية المعروفة والمستعملة في العلاج الطبيعي وذلك وفق معايير وضوابط علمية تراعي طبيعة تأثير المرض وتأثير العلاجات على جسم المريض وقدراته.
ولعل من أوضح الأمثلة على أهمية العلاج الطبيعي لمرضى السرطان، تلك الأورام التي تصيب الأنسجة العظمية أو الأنسجة الضامة من الجسم، والتي غالبا ما يكون العلاج فيها جراحيا يسبقه ويتبعه برنامج مكثف في العلاج الطبيعي يهدف إلى إعادة تقوية العضلات الموجودة في منطقة الجراحة أو حولها وإعادة المدى الحركي للمفاصل التي تأثرت بالجراحة وإعادة المريض إلى استقلاليته الحركية والوظيفية وهذا الأمر لا يتحقق إلا من خلال العلاج الطبيعي.
أما في حالات أورام الجهاز العصبي المركزي (الدماغ والنخاع الشوكي ) فإن من أهم أهداف العلاج الطبيعي تحسين القوة العضلية، والمدى الحركي للمفاصل، وتحسين الاتزان والتناسق الحركي وتحسين نمط المشي والوصول لأكبر درجة من الاستقلالية في أداء وظائف الحياة اليومية.
* استسقاء السائل الليمفاوي والدور الرئيسي للعلاج الطبيعي :-
يعرف استسقاء السائل الليمفاوي ( lymph edema ) على أنه انتفاخ في أحد مناطق الجسم، غالبا الأطراف، نتيجة لتراكم وتجمع السائل الليمفاوي فيها، الناتج من عدم انتظام الدورة الليمفاوية. ويعد استسقاء الذراع المشكلة الأكثر شيوعا في حالات سرطان الثدي التي غالبا ما تظهر بعد استئصال عدد من العقد الليمفاوية عند الخضوع لجراحة الثدي أو بعد الخضوع للعلاج بالأشعة أو منهما معا. من الأعراض التي تظهر في حالة استسقاء الذراع:
- الانتفاخ
- الألم المزمن
- نقصان المدى الحركي للذراع
- التقليل من سرعة شفاء الأنسجة وزيادة خطورة الإصابة بالعدوى
قد لا يتسع المجال في هذه المقالة لذكر تفاصيل العلاج الطبيعي لحالات استسقاء الذراع وربما نأتي على ذكر ذلك في مقالة أخرى، لكن من أهم ما يتضمنه العلاج الطبيعي في هذه الحالات ما يلي:
- رفع الذراع
- التدليك اليدوي الخاص بتصريف السائل الليمفاوي
- التمارين الخاصة للذراعين والتي تكون بإشراف وتعليم اختصاصي العلاج الطبيعي فقط
- استخدام مضخات الانضغاط الخارجية
- تضميد الذراع بمشدات خاصة.