راحة الجسد تبدأ من القدمين هذه المقولة ليست وليدة المصادفة، حيث أدركت الحضارات القديمة أنه يُمكن الحد من الكثير من المتاعب العضوية في جميع أنحاء الجسم من خلال التدليك المدروس لباطن القدم، وهو المبدأ الذي يعتمد عليه العلاج الانعكاسي بتدليك القدمين. غير أن فاعلية هذا العلاج، الذي يُعد أحد تطبيقات الطب البديل، لاتزال محل شك ومثار جدل كبير بين الأطباء الأكاديميين لندرة الأبحاث العلمية التي تثبت فاعليته.
وأوضحت اختصاصية العلاج الانعكاسي بتدليك القدمين، مارغريتا هيرمان، تعتمد هذه التقنية العلاجية في الطب البديل على النظرية التي تُرجح أن حالة جسم الإنسان بجميع أعضائه وأجزائه تنعكس في القدم، حيث يرتبط كل جزء منه بمنطقة معيّنة في القدم تُسمى (نقطة انعكاسية).
وأضافت المعالجة الألمانية أنه إذا جاء إليها أحد المرضى ممَن يعانون مشكلات في الهضم مثلاً، تقوم حينئذٍ بتدليك قدميه وتركز في هذا الوقت بشكل خاص على منتصف القدم، لأنها تُمثل نقطة انعكاس الجهاز الهضمي في القدم، وفقاً لهذا العلاج.
وأردفت خبيرة العلاج الطبيعي الألمانية أن قواعد هذه التقنية وطريقة تطبيقها تتشابه مع العلاج بالوخز بالإبر، الذي يندرج أيضاً ضمن تقنيات الطب البديل، موضحةً أنه إذا لوحظ إصابة إحدى نقاط الانعكاس الموجودة في القدم نتيجة الشعور بالألم فيها مثلاً أو تصلب الجلد بها، يُشير ذلك حينئذٍ إلى أن العضو المرتبط بنقطة الانعكاس هذه يعاني أيضاً اضطراباً.
وأضافت هيرمان أن التدليك المدروس لنقاط الانعكاس الموجودة في القدم يعمل على تحفيز العضو المرتبط بها وتدعيم عملية الشفاء به، مؤكدةً أن هذا التدليك يُسهم كذلك في تحفيز تدفق الدم وتنشيط عملية الأيض بهذا العضو.
نقاط التطابق
يلتقط اختصاصي العلاج الطبيعي الألماني راينر شتانغه، رئيس قسم العلاج الطبيعي بمستشفى إيمانويل بالعاصمة برلين، طرف الحديث موضحاً أن الطبيب الأميركي ويليام فيتزغيرالد كان قد حاول في بعض الدراسات تحديد أماكن نقاط الانعكاس الموجودة في القدم وتحديد الأعضاء التي تتطابق معها في الجسم. وأردف شتانغه «استطاع فيتزغيرالد خلال هذه الدراسات تقسيم الجسم إلى 10 مناطق طولية، وجد أن كلا منها يرتبط نسبياً بمنطقة معيّنة في القدم»، لافتاً إلى أن هذه النقاط أصبحت تُمثل النظام الإحداثي لهذا العلاج، حيث توصل فيتزغيرالد إلى تحديد مواضع معينة لنقاط الانعكاس في القدم، مع العلم بأنه قد تم إضافة ثلاث مناطق أخرى بعد ذلك. وتلتقط هنا الخبيرة الألمانية هيرمان طرف الحديث من جديد، موضحةً أنه وفقاً لهذا التقسيم تبيّن أن الجزء الأكبر من هذه النقاط، التي تُشير بالطبع إلى أغلب أجزاء الجسم، تقع في باطن القدم، ويقع بعضها في الجانبين والبعض الآخر على ظهر القدم حتى منطقة الكاحل.
وأضافت هيرمان أنه بإمكاننا تصور ذلك على نحو أمثل، إذا ما تخيلنا القدم كصورة لإنسان جالس، موضحةً بقولها «تعبر الأصابع عن منطقة الرأس، بينما ترتبط مقدمة القدم بالكتفين والقفص الصدري، ويمثل منتصف القدم البطن والظهر، بينما يُمثل الكعب منطقة الحوض وهكذا». وأردفت اختصاصية العلاج الانعكاسي للقدمين أن القدم اليمنى تعبر عن النصف الأيمن من الجسم، بينما تعبر القدم اليسرى عن النصف الأيسر من الجسم، لافتةً إلى أن كلاً من أعضاء الجسم والأعصاب والعضلات والعظام والمفاصل «أو بمعنى أدق النقاط الانعكاسية لها - توجد في صورة طبق الأصل في القدم كما هي موجودة تماماً في الجسم».
وأوضح اختصاصي العلاج الانعكاسي للقدمين راينهارد فون نايبرغ، أن خبيرة التدليك الأميركية إيونيس إنغام هي مَن أرست القواعد الأساسية لتقنيات الضغط والتدليك في العلاج الانعكاسي بتدليك القدمين في منتصف القرن الـ20، لافتةً إلى أن اختصاصية العلاج الطبيعي الألمانية هانه ماركفارت قد قامت بتطوير هذه القواعد وأضافت إليها بعد ذلك.
إرسال النبضات
أردف نايبرغ، رئيس الرابطة العالمية لتعليم العلاج الانعكاسي بتدليك القدمين وفقاً لقواعد هانه ماركفارت «يتم التدليك بواسطة عقل الأصابع، لاسيما الإبهام والسبابة، بحيث يقوم المعالج الطبيعي بإرسال نبضات إلى النقاط الانعكاسية، مستمداً القوة من الذراعين». وأوضح الخبير الألماني نايبرغ أنه عادةً ما يتم تخصيص الجلسة العلاجية الأولى لتشخيص الحالة بالتحديد، بحيث يتم فحص النقاط الانعكاسية لاكتشاف المواضع المصابة في الجسم كمواضع الإصابة بالألم مثلاً. وبعد ذلك يتم البدء في علاجها، حيث يتم تحديد الوسيلة المتبعة في العلاج - بطيئة ورقيقة أو سريعة وقوية - وفقاً لتشخيص الحالة والهدف من العلاج.
وأوضح نايبرغ أنه يتم اتباع طريقة العلاج الأولى، أي اللمسات البطيئة والرقيقة، على سبيل المثال من أجل تهدئة أحد أعضاء الجسم أو التخفيف من ألم شديد، بينما يتم اتباع طريقة العلاج الثانية، أي اللمسات السريعة والقوية، بغرض تنشيط أو تقوية وظيفة أحد أعضاء الجسم. وأكدّ اختصاصي العلاج الانعكاسي بتدليك القدمين «هناك العديد من الأمراض والمتاعب، التي يتم استخدام هذه التقنية لعلاجها وتتمتع بتأثير رائع فيها، مثل اضطرابات الجهاز الهضمي واضطرابات التمثيل الغذائي وأمراض المفاصل وكذلك الشعور بالألم».
غياب الأبحاث
ويلتقط اختصاصي العلاج الطبيعي شتانغه طرف الحديث من جديد موضحاً «فاعلية العلاج الانعكاسي بتدليك القدمين تظهر باستمرار في الواقع العملي، لكنه لايزال محل جدل كبير في نظر الطب التقليدي»، وأرجع شتانغه ذلك إلى نقص الأبحاث التي تُثبت فاعلية هذا العلاج، فإلى الآن لا يوجد سوى بعض النظريات التي تؤيد الارتباط المُدعى بين النقاط الانعكاسية في القدم والجسم، والتي تعتقد مثلاً أن النقاط الانعكاسية هذه ترتبط بالجسم عبر المسارات العصبية وتيارات الطاقة به أو عن طريق ظاهرة الرنين الكهرومغناطيسي بالجسم. ولكن لا توجد حتى الآن أية اثباتات علمية أو تشريحية قاطعة تُثبت وجود النقاط الانعكاسية هذه بالفعل وارتباطها بأعضاء معينة بالجسم.
لذا يُنكر بعض الأطباء الأكاديميون فاعلية هذه التقنية العلاجية، لكن يُعارض اختصاصي العلاج الطبيعي شتانغه هذا الرأي، حيث يُمكن إثبات فاعلية هذا العلاج دون وجود تنظير دقيق وشامل له، فضلاً عن ذلك توجد بعض الدراسات البسيطة، التي تم إجراؤها في السنوات السابقة وأثبتت وجود تأثير فعّال للعلاج الانعكاسي بتدليك القدمين على صور مرضية معينة، وأكدت أيضاً وجود النقاط الانعكاسية في القدم والارتباط بينها وبين أعضاء الجسم.
ويضرب شتانغه أمثلة لهذه الدراسات أن بعض الباحثين في جامعة «إنسبروك» النمساوية أثبتوا أن الضغط على المنطقة الموجودة في القدم - التي ترتبط بالكُلى وفقاً لخريطة العلاج الانعكاسي - يُمكن أن يعمل على تحفيز سريان الدم هناك، ومن ثمّ فهي تدعم قدرة الكُلى على التخلص من السموم.
وأضاف الخبير الألماني أنه خلال إجراء أحد الأبحاث بجامعة يينا الألمانية، تم التوصل إلى أنه يُمكن الحد من آلام مرضى التهاب مفاصل الركبة من خلال تدليك نقطة انعكاس الركبة في القدم.
المصدر:
غريفيلفينغ (ألمانيا) ــ د.ب.أ